أبي لم أكن لأريد سواك

أخذ يمسح بيده العرق المتصبب على وجهه وباليد الأخرى يشد على أزر ابنه ليحثه على السير في هذه الطرقات التي تعج بالمارة يرتطم بهذا تارة و تارة أخرى بذاك كان يشعر بأن تلك الكرة الملتهبة فوقه تلاحقه كظله لا فرار منها كان يشفق على طفله الصغير الذي لم يتعد عمره السبع سنوات وبين الفنية و الأخرى يشد على يده ليحثه على متابعة المسير لم يستطع تحمل تلك الحرارة نظر الى الشمس ووضع يده لتحجب بعضا من أشعتها كان يتوسل اليها أن ترفق بحال صغيره أن ترتفع في الأفق لتخف حدة حرارتها ولكن ...كيف عساها أن تفهمه فهي لم تعرف يوما لغة العيون تلك ..عبثا ذهبت توسلاته أخفض رأسه ومضى سائرا في دربه استوقفته كلمات من ابنه الصغير تسمر في مكانه اتجه بصره لوجه صغيره البائس راى في وجهه معنى الشقاء نظرات عينيه أشبه بتوسلات – أبي لم أعد أستطع
حلق الأب في فضاء عيني طفله حلق كطائر جريح يرفرف بأقصى قواه يهاب السقوط يحاول عبثا الهبوط في مكان امن قبل أن تخر قواه وتنفذ دماءه فتكون نهايته
- أبي لم لا نركب سيارة ..سأل الصغير متحيرا....
وكان سؤاله كصفعة تلقاها الأب أعادته الى عالمه....... صمت الأب وأخفض جسمه ليرفع ابنه اليه ..سار الأب دربه حاملا ابنه كان يرى الدرب الذي أمامه صحراء جرداء قفراء ممتدة لا نهاية لها...اشتكت قدماه توسلت ..رفقا بنا لم نعد نقوى كل خطوة يخطوها تأن ...تبث شكواها وتبعث رسائل الألم لمست تلك الشكوى قلب الصغير وبمزيج من مشاعر الحب و الحنان و العزة و الكبرياء قالت كلماته – أبي انزلني لم أعد تعبا توالت الطعنات على قلب الأب المحطم ثار وجدانه صارخا نالت مني كلماتك ..أخفض الأب جسمه الذي أضناه التعب لينزل ابنه البائس تلاقت نظراتهما من جديد ..صرخت جوارح الأب – قتلتني نظراتك بني ونالت مني كلماتك وأخذت تعصف بعقله الكلمات و الكلمات لم يعد يرى أمامه سوى الظلام حياة صفحاتها سوداء ماذا عساه أن يقرأ فيها... زوجة مريضة غدرت بها الأيام ذهب بها الى المشفى لا يعلم من أين سيدفع تكليف المشفى أم عمل لا يحصل منه الا على فتات الفتات على الأقل هذا أفضل من لا شئ ..هذا ما قاله في نفسه ..حياة مضنية حقا ومن بين تلك الصفحات السوداء تجلت له صورة ابنه الصغير تلك الزهرة التي خرجت الى الحياة يانعة و هاهو يراها أمامه تذبل كل يوم بصمت الأعزاء أخذ يبعث كلماته الى ابنه كلمات كانت خلف الاسوار سجينة لكنها الان تحررت ولسبب ما يجهله.. حلقت مشاعره وبصمت قالت كلماتها –بني الحبيب سامحني لو كنت أملك النقود ما تركتك تعاني هكذا ..لما جعلت قدمك تطأ الأرض أبدا ..بني خرجت الى الحياة هاربا من ظلام كان يلفك ظننت أن في الحياة نورا وأنا أعلم الآن أنك قد ندمت ..بني لقد ذبحت قلبي بكلماتك الحانية و نظراتك البائسة ..بني لا تشتكيني للأيام ولا للسنين واعلم أنني.....
- أبي ...انتبه هناك سيارة قادمة
- أبي......
- لكن قد فات أوان النداء فارتطم جسد الأب بالسيارة وألقته على الارض
- أبـــــــــــــــــــــــــي صرخة أطلقها الصغير ثم ألقى بنفسه على صدر أبيه امتزجت دموعه بدماء أب كان يخط رسالة لابنه لم يكن يعلم بأنه خطها بدمه اندفعت الكلمات مضطربة من فم السائق –هو من ظهر فجاة في الطريق هو...والتف المارة حول ذلك الجسدان الملتصقان وقام أحدهم بطلب سيارة الاسعاف ..انسكبت دموع ذلك الصغير ورفع بصره لتلاقي نظراته الباكية نظرات روح تودع أحبتها تبعث لهم رسالة الوداع تلقت جوارح الصغير رسالة تبث شكواها الحزينة لبارئ الروح وتخط بالدم و الدموع نهاية حياة و بداية ألم قال وروحه الراحلة تصارع كلماته المودعة .....بني لم أكن أريد لك ذلك سامحني.. ونظر نظرة أخيرة الى الشمس فلم يعد بحاجة الى أن يضع يده لتحجب أشعتها ربما لأنه الوداع الأخير وربما لأنها ارتفعت في الأفق مبتعدة ربما تكون قد وصلتها الرسالة ولكن كان قد فات الأوان ...أسدلت العين ستارها وانطلقت الروح تعدو راحلة عن هذا العالم وأطلق الصغير العنان لصرخاته وألقى بنفسه يحتضن أبيه وصرخت كل جوارحه
- أبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي لم أكن لأريد سوااااااااااااااااك